Saturday 23 November 2024

14 August 2023

البحرين..الثورة والنصر الحتمي

رسا- بعد اربع سنوات من الحراك الثوري في البحرين، فشل النظام اللاوطني في كل إجراءاته القمعية وفي كل حيله السياسية..في حين تبدو الثورة في البحرين على مسافة قريبة من تحقيق النصر على شرط صمود شعبها الأبي وليس على شرط المتغير الإقليمي المرتقب. بقلم عبدالرحيم التهامي



تدخل البحرين اليوم ذكرى ثورتها الرابعة، وهي اكثر تصميما على مواصلة حركتها النضالية حتى تحقق الثورة أهدافها كل اهدافها. ويمكن القول ان الشعب البحريني وبعد اربعة سنوات من الثورة يكون قد قطع اكثر من نصف المسافة نحو النصر، وهي المسافة التي تكثف فيها القمع، وقلّ فيها النصير، وتظاهر فيها النظام على الشعب بمصادر استقواء عبر التدخل العسكري السعودي المباشر وبتحيز إعلامي سافر ومغرض.

والمتتبع لحركة نضال الشعب البحريني يلحظ عمقا تاريخيا في هذه الحركة وتراكما سياسيا انعكس في تعدد محطات المواجهة مع نظام آل خليفة وفي تعدد التيارات والفصائل والجمعيات المعارضة.

وككل حركة نضال تستثمر اللحظة التاريخية المناسبة في توقيت الحراك وعنونته، فقد وجد الشباب الثوري البحريني في انطلاق موجة الثورات العربية بدءا من تونس ومرورا بمصر.. فرصة لإطلاق موجة ثورية جديدة تحت عنوان حركة 14 فبراير في افق تحقيق تحول سياسي جوهري في البحرين، تفاوت بين حدين؛ حده الادنى؛ ويتمثل في إدخال تغيير جوهري على هوية النظام الملكي يتيح للإرادة الشعبية أكمل تمثيل وتعبير عن نفسها عبر سلسلة من الإصلاحات السياسية والدستورية تنتهي بإقرار ديمقراطية حقيقية. وحد أعلى من خلال العمل على إسقاط نظام اسرة آل خليفة.

لكن انخراط الجمعيات السياسية المعارضة في حراك 14 فبراير فرض التوافق على الحد الادنى؛ أي خيار تعديل بنية النظام وهويته على قاعدة الممكن السياسي وإكراهات الشرط الإقليمي.

وكادت الثورة ان تنجح في فرض مطالبها السياسية وهي المستندة الى اعتصام دوار "اللؤلؤة" الحاشد لولا الفيتو السعودي الذي أعقبه تدخلا عسكريا في البحرين لصالح النظام المهزوز والمعزول شعبيا.

وبعد قمع اعتصام الدوار بوحشية ودموية، ورهان النظام البحريني على خيار القمع في التعاطي مع مطالب الشعب، والتعامل مع الثوار على أنهم طائفة متمردة؛ شرع في المماس الممنهج بشعائرها ورموزها ومناسباتها؛بدأ الموقف السياسي الثوري لدى شريحة واسعة من الشباب الثوري يتجذر ويعلن صراحة على ان التناقض مع النظام "الخليفي" القمعي تناقض سياسي لا يمكن حسمه إلا بإسقاط النظام، وأن خلاص البحرين وتقرير المصير لشعبه له مدخل واحد ووحيد هو رحيل أسرة آل خليفة عن الحكم.

ومع أن هذا التوجه لم يشمل كل مكونات الحراك البحريني، إذ ظلت بعض أطراف ومكونات الحراك الأساسية ملتزمة بممكنات الجغرافيا السياسية ولم ترفع سقف المطالب فوق أكثر من اصلاحات سياسية جوهرية تحترم الإرادة الشعبية، وتمكنها من مؤسسات ذات مصداقية في التمثيل والمشاركة الفاعلة في القرار السياسي والاقتصادي، وإنهاء احتكار الأسرة الحاكمة للسلطة والاقتصاد. ومع أنّ الحراك الثوري حافظ على سلميته بل على نفسٍ مستميتٍ في السلمية أمام كل الانتهاكات والجرائم التي اقترفها النظام البحريني ومعه عسكر السعودية؛ فإن النظام من جهته تمادى في رفع منسوب القمع مع ما رافق ذلك من أساليب عدوان على الحقوق الدينية للطائفة الشيعية، واختبار لكل الاساليب القمعية من قبيل سحب الجنسية واعتقال القادة والرموز السياسية، والتهديد بتسفير رموز دينية وازنة خارج البحرين.

اربع سنوات ثورة متواصلة، لم يتراجع فيها الشعب البحريني، ولم يستسلم امام آلة قمع رهيبة، ولم يستوحش طريق ذات الشوكة ومعظم الإعلام يتجاهل حركته وبعضه الآخر يشوّه -عن قصد- نضاله إما عبر ربطه بأهداف طائفية او لحساب جهة إقليمية!

أربع سنوات لم يبخل فيها الشعب البحريني بتضحية، ولم يستعظم ما قدمه من دم وشهداء على طريق الحرية، لم يتعب الشعب، بل الذي تعب وضاع واهتز هو نظام آل خليفة، فمع كل إجراء قمعي بحق الشعب البحريني وقيادته تتزخم مسيرة الثورة وتزداد توهجا، ويشعر الشعب معها أنه تقدم في نضاله بما لا يسمح له قربه من تحقيق النصر بأن يتراجع أو أن يخضع لغطرسة النظام وأساليبه المتجددة في القمع وأساليبه.

اربع سنوات من الثورة هي وحدها علامة النصر الذي يلوح في الأفق..فالثورة المستمرة تحولت إلى مدرسة في الوعي السياسي، وإلى سياق لتفاعل القوي بين القاعدة وقيادتها نتج عنه انضباط الثوار لشرط السلميّة. وفي الثورة تولدت مدرسة تساكنت فيها وتعايشت كل التوجهات الثورية بسقفيها الادنى والأعلى على نصاب من الوحدة الوطنية الشديدة التألق.

اربع سنوات انتهت فيها الثورات الى مآلات محزنة ومخيبة، وتبخر معها الحلم والآمال..ووحدها ثورة البحرين؛ التي همّشتها الثورات -الشقيقة- في لحظة اغترار بنفسها؛ تبقى واعدة، لأن لها قاعدة الوعي السياسي المتجدر كما لها القيادة الحكيمة والراشدة؛ قيادة اجتازت بالثورة ثلاثة ارباع المسافة..وما النصر إلا ّعلى بعد ربع الأخير من المسافة المتبقيّة. وما النصر إلا من عند الله العزيز الجبار.