أفواج من البشر تسير بوقار نحو مدينة كربلاء لتحيي ذكرى الانسانية الشهيدة التي تلخصت في يوم عاشوراء من سنة 61 للهجرة بشخص الحسين (ع) واهل بيته وأصحابه الابرار.. الانسانية التي سفك دمها الشرّ الأموي والذي تجلى عبر العصور بكل الطغاة والعتاة.. والذي نراه اليوم باتباعهم واشياعهم من الوهابية التكفيرية.
مشاهد فريدة من العطاء والبذل بلغ بها العراقيون ـ بجدارة ـ ذروة الولاء والحب لسيد الشهداء.. يشاركهم بها سائر اتباع اهل البيت (عليهم السلام) وآخرون مسلمون وحتى غير المسلمين من مسيحيين ومندائيين وايزديين.
فعلى مدى أيام يسبح الانسان في فضاء آخر ويتنفس نسائم من وحي السماء.. حقاً انه طريق الجنة.. كما يُعبر عنه.. بعيدا عن كل انانية وجشع وتمايز.. مقعدون وعجائز، شباب وكهول، صغار وكبار، اغنياء وفقراء، موج يربط شمال العراق بجنوبه وبالبلدان الاخرى التي يقطنها محبو اهل البيت (عليهم السلام).. وكربلاء تفتح ذراعيها لاحتضانهم بلهفة العاشق..
لكن، هل هذا كل شئ؟ هل الخدمات ولبس السواد وتقديم الطعام نهاية المطاف وغاية الرحلة السرمدية هذه؟
لا أريد أن أقلل من ذلك.. بالعكس أحيي وأقبل كل يد كريمة ترسم هذا المشهد وهذه اللوحة الآسرة والخلابة... لكن.. أليس من المنطقي ان تمتد هذه الجنة وهذا الحلم لتشمل واقعنا على طول العام ولتؤطر سلوكنا في كل الحياة.. ألا يدعوا ذلك التاجر المتبرع بان يكف عن جشعه على مدى ايام السنة وينظر لمن حوله ولا يستورد البضائع الفاسدة او يحمل المجتمع اعباء المزيد من ثرائه؟! ألا يستوجب المشاركة في المسير بطريق الجنة أن يخلص الموظف والعامل والطبيب والمهندس والاعلامي والمقاول (وما ادراك ما الاعلامي والمقاول مع احترامي للشرفاء منهم) وغيرهم... في عمله ولا يتبجح في عدم مسؤوليته بكون كبار المسؤولين فاسدين، حسب ما يرى فيهم؟! ألا يوجب ذلك ان ننهي الارتشاء ونكف عن تبذير بيت المال والعصبيات القومية والعشائرية والمناطقية؟!
لماذا لا نجعل الأربعين محطة للوعي والمسؤولية.. وان نستثمره في بناء أنفسنا وأوطاننا وأمتنا..
لماذا لا تكون مدننا اكثر نظافة بعد مسيرة الاربعين ودوائرنا تستقبل مراجعيها بهدف الخدمة ومستشفياتنا وعياداتنا بهدف العلاج...؟
ولماذا دائما نبحث عن آخر نحمله المسؤولية.. ونعفي انفسنا منها؟!